في أيام الطقس القائظة، عندما تشتد الحرارة وتتوسط الشمس السماء بكامل سطوعها، يتحول الخروج من المنزل إلى مخاطرة صحية لا يستهان بها، خاصة مع ازدياد وتيرة الموجات الحارة التي تضرب العديد من المناطق حول العالم. ورغم أن لأشعة الشمس فوائد جمة، وعلى رأسها تحفيز الجسم على إنتاج فيتامين (د)، إلا أن الاستفادة منها يجب أن تكون ضمن حدود آمنة ومدروسة، لأن التعرض المفرط لها قد يؤدي إلى حروق الشمس، وهي واحدة من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا خلال فترات الطقس الحار.
![]() |
حروق الشمس |
تُعرف حروق الشمس بأنها تفاعل جلدي مؤلم يحدث نتيجة تعرّض الجلد لفترة طويلة لأشعة الشمس، وخاصة الأشعة فوق البنفسجية، دون استخدام وسائل وقاية مناسبة. هذا التفاعل لا يقتصر فقط على احمرار الجلد، بل قد يتسبب في انتفاخه، والشعور بالحكة والألم، وفي حالات أشد، قد يظهر تقشر الجلد أو حتى فقاعات مائية. ومع تكرار هذا النوع من الإصابات دون علاج أو وقاية كافية، تزداد فرص تعرض الجلد للتلف الدائم، أو تحفيز ظهور علامات الشيخوخة المبكرة، وربما مضاعفات أخطر.
في المناطق التي تشهد موجات حارة متكررة، يزداد خطر الإصابة بـ حروق الشمس بدرجة ملحوظة، خصوصًا في أوقات الذروة، التي تتراوح عادة بين الساعة العاشرة صباحًا والرابعة مساءً. وخلال هذه الساعات، تسجل درجات الحرارة أعلى معدلاتها، وتصبح الأشعة فوق البنفسجية أكثر كثافة، ما يجعل مجرد التواجد في الخارج دون حماية كافية أمرًا محفوفًا بالمخاطر. ووفقًا للتقارير الصحية الصادرة مؤخرًا، فإن فترات الطقس شديدة الحرارة أصبحت أطول وأكثر تواترًا بفعل التغير المناخي، ما يزيد من أهمية الوعي بسبل الوقاية من آثار الشمس الضارة.
أهم مراحل حروق الشمس :
تمر حروق الشمس عادة بثلاث مراحل رئيسية. في البداية، وبعد ساعات قليلة من التعرض لأشعة الشمس، يبدأ الجلد في الاحمرار ويشعرالشخص بألم عند ملامسة المنطقة المصابة. وفي المرحلة الثانية، والتي تظهر في غضون 6 إلى 48 ساعة من التعرض، يتفاقم الألم بشكل واضح، ويصبح الجلد حساسًا بشكل كبير لأي احتكاك. أما المرحلة الثالثة، فتظهر بعد يومين إلى ثمانية أيام، حيث يبدأ الجلد في التقشر، كجزء من عملية تجديده بعد التلف. وتختلف شدة هذه المراحل باختلاف نوع البشرة، ومدة التعرض، ودرجة الحرارة المصاحبة لأشعة الشمس.
أهم طرق الوقاية من حروق الشمس
للوقاية من هذه الحالة المزعجة، ينصح الخبراء باتباع عدد من الخطوات الوقائية التي تساهم في حماية الجلد وتقليل فرص الإصابة خلال فترات الطقس شديد الحرارة. أولى هذه النصائح، الامتناع قدر الإمكان عن التعرّض المباشر لأشعة الشمس، خاصة في أوقات الذروة، إذ تكون الحرارة في ذروتها، وتكون الأشعة أكثر ضررًا. وينصح كذلك بالبقاء في الأماكن الظليلة أو المكيفة خلال تلك الفترات، لتفادي الإجهاد الحراري.
كما يُعتبر استخدام مستحضرات الوقاية من الشمس ضرورة لا غنى عنها خلال فترات الموجات الحارة، إذ تحتوي هذه المستحضرات على مركبات واقية تمتص أو تعكس الأشعة الضارة. ويُفضّل استخدام واقي شمس بمعامل حماية لا يقل عن 30، مع إعادة تطبيقه كل ساعتين عند التعرّض المستمر لأشعة الشمس. ولا ينبغي إغفال أهمية ارتداء الملابس المناسبة، التي تُغطي أكبر قدر ممكن من الجسم، ويفضل أن تكون مصنوعة من أقمشة خفيفة ذات ألوان فاتحة، لأنها تساعد في تقليل امتصاص الحرارة.
في أماكن العمل المكشوفة، خصوصًا خلال الموجات الحارة، يُوصى باستخدام أدوات الحماية الشخصية مثل القبعات، والنظارات الشمسية، والقفازات، لتوفير حماية شاملة من أشعة الشمس المباشرة. كما يجب أن تتوفر مظلات أو استراحات مظللة في أماكن التجمع أو الاستراحة، سواء في مواقع البناء أو الأسواق أو المناطق العامة، لتخفيف تأثير الحرارة القاسية.
وفي حال كان التعرض لأشعة الشمس ضروريًا، كما هو الحال عند محاولة الحصول على حصة يومية من فيتامين (د)، يُنصح بالاكتفاء بفترة لا تزيد عن 10 إلى 15 دقيقة، على أن يتم ذلك في أوقات يكون فيها الطقس معتدلاً نسبيًا، مثل ساعات الصباح الباكر أو بعد غروب الشمس. ويجب تجنب الخروج في الأوقات التي تكون فيها الموجات الحارة في ذروتها، لأن الجسم خلال هذه الفترات يكون أكثر عرضة للجفاف، وضربات الحرارة، وحروق الشمس.
من المهم كذلك أن يتعامل الفرد بذكاء مع التغيرات الجوية السريعة، إذ إن بعض الأيام تبدأ بطقس معتدل ثم تتحول إلى حرارة خانقة مع اقتراب الظهيرة. لذلك، فإن متابعة نشرات الطقس اليومية، والانتباه لمؤشرات الأشعة فوق البنفسجية، أصبحت من الوسائل الضرورية لاتخاذ القرار المناسب بالخروج أو تأجيل الأنشطة الخارجية. ولا يقتصر هذا الوعي على الكبار فحسب، بل يجب تعليمه للأطفال، وتعويدهم منذ الصغر على الالتزام بوسائل الحماية عند التعرض لأشعة الشمس.
![]() |
الوقاية من حروق الشمس |
ماذا أفعل عند التعرض لحروق الشمس
أما في حال التعرض الفعلي لحروق الشمس، فإن العناية الفورية بالجلد أمر بالغ الأهمية. يبدأ ذلك بترطيب الجلد بشكل مكثف باستخدام كريمات مهدئة تحتوي على الألوفيرا أو البانثينول، وتجنب استخدام الصابون القاسي أو المستحضرات التي تحتوي على كحول. كما يجب شرب كميات كافية من الماء لتعويض السوائل المفقودة بفعل الحرارة، والحفاظ على برودة الجسم. ويمكن استخدام الكمادات الباردة لتخفيف الالتهاب، لكن يُمنع استخدام الثلج مباشرة على الجلد المحروق. وفي حال ظهور فقاعات أو ارتفاع درجة حرارة الجسم، يُفضل مراجعة الطبيب لتقديم العلاج المناسب وتفادي أي مضاعفات.
من جهة أخرى، تلعب الثقافة المجتمعية دورًا مهمًا في الحد من تأثير الموجات الحارة وانتشار حروق الشمس، من خلال الحملات التوعوية، وتوفير مستلزمات الحماية بأسعار معقولة، والتشجيع على السلوكيات الوقائية في المدارس وأماكن العمل. ومن الأمثلة الناجحة في هذا السياق، المبادرات التي تطلقها بعض البلديات بتوزيع واقيات شمس مجانية خلال موسم الصيف، أو توفير ممرات مظللة في الأماكن العامة.
وفي ظل تزايد التحذيرات المناخية حول تطرف الأحوال الجوية، تظل الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة تحديًا صحيًا متكررًا. لذا، فإن التسلّح بالمعرفة والتخطيط الجيد للخروج، والالتزام بوسائل الحماية، هي خطوات لا غنى عنها لتفادي حروق الشمس وضمان تجربة آمنة خلال فترات الطقس الحار. فكل إجراء وقائي، مهما بدا بسيطًا، هو في الحقيقة درع يحمي صحتنا من خطر متزايد.
خلاصة القول: احمِ نفسك وابدأ بالوقاية
في نهاية المطاف، تبقى الشمس مصدرًا لا يمكن الاستغناء عنه، لكن التعامل معها يجب أن يتم بحذر ووعي، خاصة خلال فترات الموجات الحارة واشتداد الحرارة. فالحفاظ على الصحة لا يتطلب الكثير، بل يكفي أن نكون مدركين لأهمية الوقاية، وأن نُطبق الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. وبينما لا يمكننا التحكم في الطقس، يمكننا التحكم في سلوكنا، والحد من تعرّضنا للخطر، خاصة عندما تصبح حروق الشمس تهديدًا يوميًا خلال أشهر الصيف.